سقانا الله… و ما مصير أثمان الخضر؟

لأول مرة يعرف المغاربة أن الجفاف أفضل من المطر.. والدليل هو أن الأسعار المجنونة للخضر واللحوم هذه الأيام مردها إلى التساقطات المطرية والبرودة..! وإذا لم تصدقوا فاستمعوا للحكومة.. ومعها السماسرة الذين حاولوا جهد الإمكان إقناع المغاربة بأنه لولا الأمطار والبرد لكانت الأسعار عادية جدا. المشكلة إذن في المغاربة الذين صلوا أكثر من مرة صلاة الاستسقاء.. كان عليهم أن أن يبتكروا صلاة أخرى اسمها صلاة الاستجفاف حتى تبقى الأسعار عند حالها.. ولا حول ولا قوة الا بالله.

المشكلة حاليا ليست فقط في السعار الذي أصيبت به الأسعار في بلد يعتبر فيه الحد الأدنى للأجور من بين الأدنى في العالم، بل المشكلة في احتقار المغاربة والاستهانة بعقولهم، عبر محاولة إقناعهم بأشياء خيالية وممارسة “السماوي” عليهم، مثلما يحدث حاليا في مختلف المدن من خروج عشرات لجان المراقبة إلى الأسواق لمراقبة الأسعار، بينما الجميع يعرف أن البائع بالتقسيط هو آخر حلقة في هذا المسلسل الجهنمي الذي “أبطاله” من السماسرة الذين يشترون الطماطم، مثلا، من الضيعة بأقل من درهمين، وتصل المستهلك باثني عشر درهما..!

يحاولون إيهام المغاربة، أيضا، بأن ارتفاع أسعار المحروقات هي السبب، فلماذا إذن تمنح الحكومة دعما مستمرا لمهنيي النقل حتى أصبح هذا الدعم ريعا حقيقيا تستفيد منه شبكات شبيهة بأغنياء الحرب. كان الأفضل منح الدعم لأجور المغاربة لمواجهة هذا السعار عوض منحها لمهنيي النقل.

يريدون أيضا إقناع المغاربة بأن موجة الغلاء عالمية وليست مقتصرة على المغرب، بينما يكفي الاطلاع على أسعار الخضر في أسواق أغنى بلدان العالم، وخصوصا أوربا، لكي نكتشف أنها أرخص من المغرب، وإذا زدنا على ذلك وقارنا مستوى الأجور في تلك البلدان ومستوى الأجور في المغرب فإننا سنصاب بالدوار.

منذ الأيام الأولى للاستقلال وهم يبنون السدود ويملؤون الكتب المدرسية بأن المغرب بلد فلاحي غني، وبعد 70 عاما من الاستقلال يذهب المواطن إلى السوق ويندم على اليوم الذي حفظ فيه تلك الدروس الغبية التي كرست في عقله أن وطنه سيوفر له الغذاء بأرخص الأسعار.

في المغرب يولد طفل فيتوصل الأب بدعم 400 درهم، بينما يولد عجل فيتوصل صاحب البقرة بدعم 4000 درهم، وفي النهاية تقول الحكومة إنها ستستورد 40 ألف بقرة من أمريكا اللاتينية، حيث لا يتلقى مربو الأبقار هناك أي سنتيم من الدولة!

منذ سنوات والمغاربة يسمعون أكذوبة المغرب الأخضر، وفي النهاية وجدوا أنفسهم أمام المغرب الأحمر، لأن النار المشتعلة في الجيوب وفي الأسعار أحرقت كل ذلك الاخضرار الموعود، الذي تحول إلى مجرد حملة انتخابية غبية.

المغاربة صاروا مقتنعين اليوم أن بلدهم فعلا بلد فلاحي، لكن ليس لهم، بل لأولئك الإقطاعيين الكبار الذين يستغلون كل شيء من أجل مراكمة الثروات على حساب المواطن البسيط، وأن المغرب الأخضر الحقيقي يوجد في كتامة والنواحي، حيث الحشيش يستهلك ثروة مائية مهولة، إلى درجة أن الأجيال المقبلة لن تجد قطرة ماء في باطن الأرض بعد أن قضت عليها “خردالة”.

المغرب الأخضر الحقيقي هو “دلاحة” واحدة تستهلك قرابة مائة لتر من المياه الجوفية العذبة لتباع في الأسواق بدرهمين للكيلو، أو يتم تصديرها لبلدان منعت زراعة الدلاح خوفا على ثرواتها المائية.

المطلوب اليوم ليس فقط وقف سعار الأسعار، بل وقف الحرب ضد جيوب المغاربة وتفقير الفقراء أكثر، والمطلوب هو الحفاظ على ما تبقى من تلك الطبقة التي كانت تسمى متوسطة، فتحولت إلى طبقة هجينة بين الفقر والفاقة.

المطلوب الآن هو التوقف عن الاستهانة بعقولنا.. لقد تعبنا..!

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *