قدمت فرقة أكبار للثقافة والفنون عرضها المسرحي الجديد ” أمان ن مرور ” ، أو “السراب ” المقتبس للغة الأمازيغية عن النص المسرحي ” عمل صغير لبهلوان مسن ” للكاتب الروماني ماتيي فيزنييك ” ،وهو العرض الذي جاء في إطار المشاريع المدعمة من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الثقافة برسم الموسم 2022 ـ 2023 ،العرض المسرحي الذي احتضنته قاعة العروض والندوات بمدينة اسا الزاك جهة كلميم واد نون مساء يوم الخميس، شهد حضورا وازنا للمهتمين بالحقل المسرحي والفني بصفة عامة، لم يكن اختيار الفرقة للاشتغال على هذا النص المثير للاهتمام مجرد صدفة بل جاء في إطار البحث عن فرجة مسرحية تتبنى معايير الجودة من حيث النص أولا باعتباره اللبنة الأولى في ضمان عرض مسرحي متكامل.
يقدم العرض المسرحي ” أمان ن مرور ” حكاية بسيطة جدا في طرحها لكنها عميقة من حيث الابعاد والدلالات التي تسكن تفاصيلها ، الحكاية ببساطة هي لثلاث مهرجين تقدم بهم السن يلتقون صدفة في إحدى قاعات الانتظار من أجل اجتياز مقابلة للحصول على عمل ، قاسم هؤلاء المهرجين الثلاث هو غياب فرض الشغل وعامل الزمن الذي تجاوز بكثير نمط اشتغالهم ومواهبهم التي لم تعد تجدي نفعا في عالم الفن والابداع، يلتقي في الوهلة الأولى المهرجان ” البوديق ” وصديقة القديم ” بيعطراق ” يتذكران معا سنوات المجد وفي الان نفسه ينشب بينهما نقاش حامي الوطيس حول الاجدر منهما بالحصول على الوظيفة المرتقبة ، لكن سرعان ما ستخبو فرص كل واحد منهما عند التحاق متنافس ثالث ” ابين ضرو ” الذي يدعي امتلاكه لفنون التشخيص المسرحي الجاد البعيد عن التهريج ، مما يزيد من صراعهم حول احقية كل منهم بالوظيفة ، في خضم صراعهم ذاك نكتشف تجاربهم ، قدراتهم الفنية ، ذكرياتهم ، وصراعهم من اجل البقاء ، تتحول فصول القصة تحولا جذريا حين يصاب ” ابين ضرو ” بنوبة قلبية أودت بحياته مما سيدفع بأصدقائه للتفكير في خطة للتخلص من جثثه ، باب غرفة الانتظار المؤصدة تكون هي ملاذهما في لحظة الخوف من اتهامها بالقتل ، هنا تكون الصدمة باكتشافهما لعدد من الجثث لمهرجون أخرون سبقوهم الى غرفة الانتظار تلك ،وهي الغرفة التي تحمل دلالة ثنائية الضد ، الأمل بغد افضل وفي الان نفسه الغد المظلم والمستقبل المجهول ، قبل هروبهما يسمعان وقع اقدام قادمة باتجاههما يختبئان ليظهر لنا مهرج مسن ثالث يعيد تكرار الحكاية معتقدا أنه الأول من التحق لاجتياز المباراة ، عبث الانتظار ممزوج بمصير مجهول خلف الباب المغلق .
حين يكون النص المسرحي محبوكا من الناحية الدرامية يفتح المجال أمام باقي مكونات العرض المسرحي من أجل تقديم فرجة مسرحية تطبعها جماليات متجانسة ، وهنا نتحدث عن الإخراج المسرحي باعتباره الرابط الأساسي والمهم في تجسيد الرؤية الفنية والجمالية للإضاءة المسرحية والسينوغرافيا والديكور والموسيقى وما الى ذلك من مكونات العرض ، لقد حرص المخرج المسرحي نور الدين التوامي بالدرجة الأولى على أهمية التشخيص وتقمص الممثلين لأدوارهم والتي كانت أدوارا مركبة تستدعي تركيزا معمقا لتفاصيل الشخصيات وهو الامر الذي توفق فيه الى حد كبير كل من الفنان ” حسن بديدة ” والفنان ” محمد اوراغ سيموكا ” وحسن عليوي والفنان عبد الله بوكرن ” الذين انيطت بهم مهمة التشخيص ، كما كان للديكور والسينوغرافيا دورهما في تأثيث الفضاء واضفاء طابع الانتظار ناهيك عن دور الإضاءة المسرحية والموسيقى في أغناء الصراع الدرامي وتقريب الجمهور من خبايا البعد السيكولوجي لكل شخصية على حدة .مسرحية ” امان ن مرور ” هي تجربة أخرى تنضاف الى رصيد فرقة اكبار للثقافة والفنون والتي عودت جمهورها على التجديد والابتكار من خلال البحث الدائم على مواضيع ذات الصلة بالواقع وهو الامر الذي بدا جليا من خلال تفاعل الجمهور الحاضر مع حكايا أبطال القصة تارة بالضحك على مواقف ساخرة وتارة أخرى بالتعاطف مع مأساة الانتظار والخوف من مستقبل مجهول ينتظرهم.
طاقم فني محترف حرص على تقديم العرض في طبق فرجوي متكامل ، تشخيص الأدوار كان من نصيب أسماء لها من التجربة ما يؤهلها لذلك وهي للإشارة اسماء بصمت الساحة الفنية بأعمال تلفزيونية وسينمائية ومسرحية بدءا من الفنان القدير حسن بديدة والذي لخص لنا من خلال المشهد الأخير في المسرحية قسوة الانتظار والخوف من مستقبل مجهول ينتظر الفنان ، كما لا ننسى الفنان محمد اوراغ سيموكا وحسن عليوي وعبد الله بوكرن الذين استطاعوا تجسيد ادوارهم بتلقائية بعيدة كل البعد عن التصنع ، إعداد النص كان للكاتب علي الداه ، الترجمة الى الامازيغية نور الدين التوامي ، السينوغرافيا كانت لصفية الزنزوني والتأليف الموسيقي للفنان هشام ماسين والذي واكب فصول العرض من خلال العزف والأداء الموسيقي المباشر مما اضفى على المسرحية طابعا خاصا ، الملابس لحسناء معناوي ، الإضاءة هشام الادريسي الزاوي ، المحافظة العامة كريم بونيت ، مساعد المخرج حسن بديدة ، العرض المسرحي امان ن مرور كان من توقيع المخرج نور الدين التوامي .
مدينة اسا الزاك : حسن الوالي